فصل: التقاضي.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.التقاضي.

قال النووي: إن اليمين على نية الحالف في كل الاحوال، إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه فهي على نية القاضي أو نائبه، ولا تصح التورية هنا وتصح في كل حال، ولا يحنث بها وإن كانت للباطل حراما.
والدليل على أن العبرة بنية الحالف إلا إذا حلفه غيره، ما رواه أبو داود وابن ماجه عن سويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل ابن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي، فخلى سبيله، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا، وحلفت أنه أخي.
قال: «صدقت، المسلم أخو المسلم».
والدليل على أن العبرة بنية المستحلف إذا استحلف على شئ، ما رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليمين على نية المستحلف».
وفي رواية: «يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك».
والصاحب هو المستحلف، وهما طالبا اليمين.

.لا حنث مع النسيان أو الخطأ:

من حلف أن لا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو خطأ فإنه لا يحنث لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: - «إن الله تجاوز لي عن أمتي: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
والله يقول: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}.

.يمين المكره غير لازمة:

لا يلزم الوفاء باليمين التي يكره المرء عليها، ولا يأثم إذا حنث فيها للحديث المتقدم، ولان المكره مسلوب الارادة، وسلب الارادة يسقط التكليف.
ولهذا ذهب الائمة الثلاثة إلى أن يمين المكره لا تنعقد، خلافا لابي حنيفة.

.الاستثناء في اليمين:

من حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى ولا حنث عليه.
فعن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه» رواه أحمد وغيره، وصححه ابن حبان.

.تكرار اليمين:

إذا كرر اليمين على شيء واحد أو على أشياء وحنث فقال أبو حنيفة ومالك وإحدى الروايتين عن أحمد: يلزم بكل يمين كفارة.
وعند الحنابلة، أن من لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة، لأنها كفارات من جنس واحد.
وإن اختلف موجب الايمان، وهو الكفارة، كظهار ويمين بالله لزمته الكفارتان ولم تتداخلا.

.كفارة اليمين:

تعريف الكفارة: الكفارة صيغة مبالغة من الكفر، وهو الستر، والمقصود بها هنا الاعمال التي تكفر بعض الذنوب وتسترها حتى لا يكون لها أثر يؤاخذ به في الدنيا ولا في الاخرة.
والذي يكفر اليمين المنعقدة إذا حنث فيها الحالف:
1- الاطعام
2- الكسوة
3- العتق على التخيير:
فمن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام.
وهذه الثلاثة مرتبة ترتيبا تصاعديا - أي تبدأ من الادنى للاعلى، فالاطعام أدناها، والكسوة أوسطها، والعتق أعلاها.
يقول الله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}.

.حكمة الكفارة:

الحنث خلف وعدم وفاء، فتجب الكفارة جبرا لهذا.

.الإطعام:

لم يرد نص شرعي في مقدار الطعام ونوعه، وكل ما كان كذلك يرجع فيه إلى التقدير بالعرف، فيكون الطعام مقدرا بقدر ما يطعم منه الإنسان أهل بيته غالبا - لا من الاعلى الذي يتوسع به في المواسم والمناسبات، ولا من الادنى الذي يطعمه في بعض الاحيان.
فلو كانت عادة الإنسان الغالبة في بيته أكل اللحم والخضروات وخبز البر فلا يجزئ ما دونه، وإنما يجزئ ما كان مثله وأعلى منه، لأن المثل وسط، والاعلى فيه الوسط وزيادة.
وهذا مما يختلف باختلاف الافراد والبلاد.
وقد كان الإمام مالك، رضي الله عنه، يرى أن المد يجزئ في المدينة، قال: وأما البلدان فلهم عيش غير عيشنا، فأرى أن يكفروا بالوسط من عيشهم، لقوله تعالى: {من أوسط ما تطعمون أهليكم}.
وهذا مذهب داود وأصحابه.
واشترط الفقهاء أن يكون العشرة المساكين من المسلمين إلا أبا حنيفة، فإنه جوز دفعها إلى فقراء أهل الذمة.
ولو أطعم مسكينا عشرة أيام، فإنه يجزئ عن عشرة مساكين عند أبي حنيفة.
وقال غيره: يجزئ عن مسكين واحد.
وإنما تجب كفارة الاطعام على المستطيع، وهو من يجد ذلك فاضلا عن نفقته ونفقة من يعول.
وقدر بعض العلماء الاستطاعة بوجود خمسين درهما عنده كما قال قتادة، أو عشرين كما قاله النخعي.

.الكسوة: وهي اللباس.

ويجزئ منها ما يسمى كسوة.
وأقل ذلك ما يلبسه المساكين عادة - لأن الآية لم تقيدها بالاوسط، أو بما يلبسه الاهل، فيكفي القميص السابغ جلابية مع السراويل.
كما تكفي العباءة أو الازار والرداء.
ولا يجزئ فيها القلنسوة أو العمامة أو الحذاء أو المنديل أو المنشفة.
وعن الحسن وابن سيرين: أن الواجب ثوبان، ثوبان.
وعن سعيد بن المسيب: عمامة يلف بها رأسه، وعباءة يلتحف بها.
وعن عطاء، وطاووس، والنخعي: ثوب جامع كالملحفة والرداء.
وعن ابن عباس، رضي الله عنه: عباءة لكل مسكين أو شملة.
وقال مالك وأحمد، رضي الله عنهما: يدفع لكل مسكين ما يصح أن يصلي فيه إن كان رجلا أو امرأة، كل بحسبه.

.تحرير الرقبة:

أي إعتاق الرقيق وتحريره من العبودية، ولو كان كافرا، عملا بإطلاق الآية عند أبي حنيفة وأبي ثور وابن المنذر.
واشترط الجمهور الايمان، حملا للمطلق هنا على المقيد في كفارة القتل والظهار، إذ تقول الآية: {فتحرير رقبة مؤمنة}.

.الصيام عند عدم الاستطاعة:

فمن لم يستطع واحدة من هذه الثلاث، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام.
فإن لم يستطع لمرض أو نحوه - ينوي الصيام عند الاستطاعة، فإن لم يقدر، فإن عفو الله يسعه.
ولا يشترط التتابع في الصوم.
فيجوز صيامها متتابعة، كما يجوز صيامها متفرقة.
وما ذكره الحنفية، والحنابلة - من اشتراط التتابع - غير صحيح.
فقد استدلوا بقراءة جاء فيها كلمة {متتابعات} وهي قراءة شاذة ولا يستدل بالقراءة الشاذة، لأنها ليست قرآنا - ولم تصح هنا حديثا حتى تكون تفسيرا من النبي صلى الله عليه وسلم، للاية.

.إخراج القيمة:

اتفق الائمة الثلاثة على أن كفارة اليمين لا يجزئ فيها إخراج القيمة عن الاطعام والكسوة.
وأجاز ذلك أبو حنيفة، رضي الله عنه.

.الكفارة قبل الحنث وبعده:

اتفق العلماء على أن الكفارة لا تجب إلا بالحنث، واختلفوا في جواز تقديمها عليه.
فجمهور الفقهاء يرى أنه يجوز تقديم الكفارة على الحنث، وتأخيرها عنه، ففي الحديث عند مسلم وأبي داود والترمذي: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل». ففي هذا الحديث جواز تقديم الكفارة على الحنث.
وإذا تقدمت الكفارة على الحنث كان الشروع في الحنث غير شروع في الاثم، إذ تقديم الكفارة يجعل الشئ المحلوف عليه مباحا.
وعند مسلم أيضا ما يفيد جواز تأخير الكفارة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأتها، وليكفر عن يمينه».
قال هؤلاء: ومن قدم الحنث كان شارعا في معصية، وقد يموت قبل أن يتمكن من الكفارة، ولعل هذه هي حكمة إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تقديم الكفارة.
ويرى أبو حنيفة أن الكفارة لا تصح إلا بعد الحنث، لتحقق موجبها حينئذ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير».
معناه عنده: فليقصد أداء الكفارة، كقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} أي إذا أردت.
والأول أرجح.

.جواز الحنث للمصلحة:

الاصل أن يفي الحالف باليمين. ويجوز له العدول عن الوفاء، إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة.
يقول الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} أي لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من البر والتقوى والاصلاح.
ويقول عزوجل: {قد فرض الله لكم تحلة ايمانكم} أي شرع الله لكم تحليل الايمان بعمل الكفارة.
روى أحمد والبخاري ومسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير، وكفر عن يمينك».

.أقسام اليمين باعتبار المحلوف عليه:

وعلى هذا يمكن تقسيم اليمين باعتبار المحلوف عليه إلى الاقسام الاتية:
1- أن يحلف على فعل واجب أو ترك محرم، فهذا يحرم الحنث فيه، لأنه تأكيد لما كلفه الله به من عبادة.
2- أن يحلف على ترك واجب أو فعل محرم.
فهذا يجب الحنث فيه لأنه حلف على معصية، كما تجب الكفارة.
3- أن يحلف على فعل مباح، أو تركه. فهذا يكره فيه الحنث ويندب البر.
4- أن يحلف على ترك مندوب أو فعل مكروه. فالحنث مندوب، ويكره التمادي فيه. وتجب الكفارة.
5- أن يحلف على فعل مندوب. أو ترك مكروه، فهذا طاعة لله. فيندب له الوفاء، ويكره الحنث.

.النذر:


معناه: النذر هو التزام قربة غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يشعر بذلك، مثل أن يقول المرء: لله علي أن أتصدق بمبلغ كذا، أو إن شفى الله مريضي فعلي صيام ثلاثة أيام ونحو ذلك.
ولا يصح إلا من بالغ عاقل مختار ولو كان كافرا.

.النذر عبادة قديمة:

ذكر الله سبحانه عن أم مريم أنها نذرت ما في بطنها لله فقال: {إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم}.
وأمر الله مريم به فقال: {فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا}.
النذر في الجاهلية: وذكر الله عن أهل الجاهلية ما كانوا يتقربون به إلى آلهتهم من نذور، طلبا لشفاعتهم عند الله، وليقربوهم إليه زلفى فقال: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}.

.مشروعيته في الإسلام:

وهو مشروع بالكتاب والسنة، ففي الكتاب يقول الله سبحانه: {وما أنفقتم مننفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه}.
ويقول: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}.
ويقول: {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} وفي السنة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه». رواه البخاري ومسلم عن عائشة.
والإسلام وإن كان قد شرعه إلا أنه لا يستحبه، فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل. رواه البخاري ومسلم.

.متى يصح ومتى لا يصح:

يصح النذر وينعقد إذا كان قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه ويجب الوفاء به.
ولا يصح إلا نذر أن يعصي الله، ولا ينعقد.
كالنذر على القبور وعلى أهل المعاصي، وكأن ينذر أن يشرب الخمر أو يقتل أو يترك الصلاة أو يؤذي والديه.
فإن نذر ذلك لا يحب الوفاء به بل يحرم عليه أن يفعل شيئا من ذلك ولا كفارة عليه لأن النذر لم ينعقد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا نذر في معصية» وقيل: تجب الكفارة زجرا له وتغليظا عليه.

.النذر المباح:

سبق أن ذكرنا أنه يصح النذر إذا كان قربة، ولا يصح إذا كان معصية.
وأما النذر مباح مثل أن يقول: لله علي أن أركب هذا القطار أو ألبس هذا الثوب، فقد قال جمهور العلماء: ليس هذا بنذر ولا يلزم به شئ.
روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر وهو يخطب إلى أعرابي قائم في الشمس فقال: ما شأنك؟ قال: نذرت أن لا أزال في الشمس حتى يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخطبة.
فقال الرسول: «ليس هذا بنذر، إنما النذر فيما ابتغي به وجه الله».
وقال أحمد: ينعقد، والناذر يخير بين الوفاء وبين تركه، وتلزمه الكفارة إذا تركه.
ورجح هذا صاحب الروضة الندية فقال: النذر المباح يصدق عليه مسمى النذر، فيدخل تحت العمومات المتضمنة للامر بالوفاء به، ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود: «أن امرأة قالت: يا رسول الله إني نذرت إذا انصرفت من غزوتك سالما أن أضرب على رأسك بالدف، فقال لها: أوفي بنذرك» وضرب الدف إذا لم يكن مباحا فهو إما مكروه أو أشد من المكروه، ولا يكون قربة أبدا.
فإن كان مباحا فهو دليل على وجوب الوفاء بالمباح، وإن كان مكروها فالاذن بالوفاء به يدل على الوفاء بالمباح بالأولى.